السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
أُعاني
منذ أنْ تخرَّجت في الجامعة، ومن قبلها، فشلاً ذَرِيعًا في جميع ميادين
حياتي، ولا أخطو خطوةً فأنجحَ فيها، واستمرَّ الوضع سنين، وبعد تخرُّجي في
الجامعة، وإلى يومنا هذا حالي لم يتغيَّر، مع أنَّ جميع مَن حولي تغيَّر
حالُهم، كنت أَرقِي نفسي، وأقرأ سورةَ البقرة، وأحاول أن أُلازِم الاستغفار
والدعاء، لكنَّ الشيطان يُوَسوِسُ لي بشكلٍ فظيعٍ بسوء الظن بالله، وقبل
أيَّامٍ كان أمَلِي في شيءٍ سأنجح فيه، لكن صُدِمت بأنَّه لم يتحقَّق، رغم
أنِّي كنت قد جاهدت نفسي وأحسَنتُ الظنَّ بالله، لدرجةٍ وصلت إلى أني
أقسَمتُ بالله العظيم أنَّه سيتمُّ، من شدَّة يَقِيني بالله وحُسن ظنِّي
به، وبعد صَدمتي استَرْجعتُ، والحمد لله أنِّي لم أَنْهَرْ، وفرحت لأنَّ
الأبواب أُوصِدت في وجهي كلُّها، ولم يتبقَّ لي سوى بابِ الله، وهو الأكرم
والأكمل، ولن يردَّني، وأنَّ عَطاءه أجزَلُ العطاء وأعظَمُه، وأنا واثقةٌ
في الله، لكن تأتيني أوقاتٌ لا يمكن أنْ أتخيَّل أنَّ الله سيُفرِّج عنِّي،
وتضيقُ الأرض عليَّ، وقد بدَأتْ حالتي تتحسَّن قليلاً مع الرُّقية.
السؤال:
سأفقدُ صوابي لأني لم أعدْ قادرةً على أنْ أُحسِنَ الظنَّ بالله، وأنا
أعلم أنَّ الله هو الكريم المقتدِر القادر على كلِّ شيءٍ، لكن سوء الظنِّ
أنَّ الله لن يُعطِيني شيئًا ولن يُفرِّج عنِّي بسببي أنا؛ يعني: لأنِّي
بغيضة أو مذنبة، فكيف أتخلَّص من هذا الشُّعور؟
وجَزاكم الله خيرًا.
الجواب
أهلاً بكِ عزيزتي في (الألوكة).
مؤلِمٌ أنْ يشعُر الإنسان
بالفشَل، ولكنَّ الأكثر ألمًا منه هو شُعورُه باليأس؛ لأنَّ يأسه يجعَلُه
يشعُر بأن لا فائدة من أيِّ أمرٍ يفعله، وبعد اليأس يتنازَعُه شعورٌ بين
أنَّ ما يعيشُه من فشَل ظلمٌ له، وأنَّ معصيتَه وذنبَه هو سبب هذا الفشل
الذي يعيشُه، وهو بهذا الوضع ما بين سخطٍ وتسليم، والألم يَزدادُ من حوله،
وإرادته تخفُّ وتضعُف؛ لأنَّ طاقته كلها استُهلِكت في التفكير في الأمر!
عزيزتي، لا شكٍّ أنَّك قَرأت أو سمعت الآية الكريمة التي تقول: ﴿ يَا
بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا
مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا
الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، لكن هل جرَّبتِ يومًا أنْ تقرَئِي تفسيرها؟!
لقد جاءت في سِياق سورة يوسف،
السورة التي تحكي قصة سيِّدنا يعقوب الذي ظَلَّ ينتظرُ ابنَه سنين طوالاً،
حتى ابيضَّتْ عيناه وفقَد بصرَه، ومع ذلك ظلَّ صابرًا ومؤمنًا بالله حتى
جاءَه الفرجُ من حيث لا يحتسبُ، وجمَعَه الله - سبحانه - بابنه من جديد.
وهكذا كُوني أنتِ مع أحلامك؛
فهي بنات عقلك وروحكِ التي لن تتخلَّيْ عنها يومًا، وثِقِي بأنَّ الفرج
قريبٌ ولكن له وقت معلوم، لا تنتَظِريه ليأتي إليك، ولكن اسعي أنتِ له.
الإنسان يَشعُر بالإحباط واليأس
والتَّعَبِ والألم، هذه المشاعر كلُّها طبعيَّة، وهي تُساعِدنا على أن
نُفرِّغ ما بداخِلنا من حُزن وشحنات سالبة؛ لنُتابع حَياتنا بإصرارٍ وهمَّة
من جديد، لكن إذا استمرَّت هذه المشاعر، فهنا يَكمُن الخطر الشديد؛ لأنَّ
استِمرارَها يمنَعُنا من ممارسة حَياتنا بشكلٍ طبعي.
هل سألتِ نفسك يومًا: ما هي أسباب فشلي؟
كم نسبة مسؤوليَّتي عن هذه الأسباب؟ وهل هي قابلةٌ للتغيير أو لا؟
أحيانًا يا عزيزتي يعيشُ
الإنسان لسنواتٍ عديدة في وضعٍ مزعج وغير مُرِيح بالنسبة له، ولكنَّه
يحتملُ هذا الوضع ويصبر عليه؛ لأنَّه لا يكون قادرًا على مواجهة نفسه، لا
يكون قادرًا على القول: أنا فشلت لأنَّني لم أفعل كذا، أو لأنَّني قصَّرت
في كذا...
الاعتراف بالخطأ يتطلَّب شجاعةً
كبيرة، حتى لو كان هذا الاعتراف بينك وبين نفسك؛ لأنَّه سيُضفِي عليك
غمامةً من الحزن والشُّعور بالذنب، ولكنَّ هذه الغمامةَ بعدها سيأتي الضوء
وتُشرِق الشمس؛ لأنَّنا عرَفْنا أين الخطأ وسنبدأ في عِلاجه!
ألا ترين الميكانيكي حين نأتي
له بالسيَّارة المعطَّلة، يُفكِّكها ويتأمَّل فيها ويفحَص أجزاءها واحدةً
واحدةً، حتى يكتشفَ مَكمَن الخَراب، ويبدأ بإصْلاحه وتهيئته للاستعمال من
جديدٍ؟! وهكذا نحن عند كلِّ موقفٍ خاطئ أو تجربةٍ فاشلة، علينا أنْ نستعرض
أنفسنا أمامَ أنفسنا، ونُراجِع ما بداخِلنا جزءًا جزءًا، وركنًا ركنًا؛ حتى
نعرف أين الخطأ الذي يعوقُ تقدُّمنا واستمرارنا ونُصلحه.
ربما كان أسلوبنا في التعامُل
مع الآخَرين، وربما كانت طريقة تفكيرنا، ربما عدم مُرونتنا، وربما شُعورنا
بأنَّنا لسنا قادِرين ولا واثقين بأنفسنا... وربما غيرها، المهم أنَّكِ
أنتِ التي ستُراجِع نفسَها، وأنتِ التي ستعرفُ أين الخلَل.
صحيحٌ أنها عمليَّة ليست سهلةً
أبدًا، وتتطلَّب قدرًا كبيرًا من الشجاعة والقُدرة على المواجهة والتحمُّل،
ولكنَّ نتائجها مذهلةٌ ورائعةٌ - بإذن الله.
أذكُر عبارةً تقول بتصرُّف: "إنْ كنت تواجه مشكلاتك الجديدة بنفس الطُّرق القديمة، فاعلَمْ أنَّك ستظلُّ طوال عمرك في مكانك..."!
وهذا ربما ما يحصل معكِ!
لا تعتَقِدي أنَّ ما أنتِ فيه
هو عِقابٌ من الله لكِ لأنكِ بغيضة أو مذنبة أو.. أو.. إذ لا يلزم أنْ يكون
ذلك عِقابًا على الذنوب؛ بل قد يكون ابتلاءً واختبارًا، صحيحٌ أنَّ الذنوب
ربما تجعَلُ حياة الإنسان أصعَبَ قليلاً كما قال الحسن البصري: "والله
إنِّي لأعلَمُ ذَنبي في خلُق زوجتي وخلُق دابَّتي"، ولكن ليس للدَّرجة التي
تتوقَّف فيها حياتُك، ولا تعودين قادرةً على التقدُّم أبدًا؛ لأنَّكِ هنا
بحاجةٍ لمراجعة سُلوكك وتصرُّفاتك على الصعيد الإيماني والحياتي.
لذا؛ فكِّري جيدًا: هل هذا هو
الاعتقاد الحقيقي بداخلك، أو هو حِيلة دفاعيَّة تشعُرين بها لتُخفِّفي من
حدَّة شُعورك بالذنب والألم لفشَلِك؟
وبعدما تُراجِعين نفسَك،
وتَعرِفين أخطاءَك وما عليك عمله لإصلاحها وتعديلها، ابدَئِي من جديدٍ
بيقينٍ وإيمان تامٍّ بالله بأنَّه سيُوفِّقك ويفتَحُ عليكِ، وتمسَّكي
بالاستِغفار دائمًا؛ لأنَّه يفتحُ الأبواب المغلقة، ولا تترُكي قول: حسبنا
الله ونعم الوكيل؛ لأنها سببٌ في حُصول الخير للإنسان وكفِّ الشرِّ عنه،
وتحويله من حالٍ إلى حالٍ؛ كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ
قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ
فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾ [آل عمران: 173-174].
وهذا يا عزيزتي سيكونُ - بإذن الله تعالى - مفتاحَ نجاحك، والشَّرارةَ التي تُغيِّر حالَك للأفضل والأحسن والأروع.
فتَح الله عليكِ ويسَّر أمركِ.
وتابِعِينا بأخبارك لنطمئنَّ عليكِ.
إرسال تعليق